المحور الأول: تعريف التوحيد في اللغة
الوَحَد المنفرد، والواحد أول عدد من الحساب، والوُحدان جماعة الواحد والرجل الوَحِد والوَحَد والوَحْد: الذي لا يعرف له أصل ووحده توحيداً: جعله واحداً( )
ونخلص من هذا: أن كلمة التوحيد في اللغة ترجع إلى لفظة "وحد"، وفروع هذه الكلمة تدور على معنى الانفراد وانقطاع المثل والنظير والشبيه والند.
المحور الثاني: التوحيد عند أهل الكلام
التوحيد عند المتكلمين ( ) يدور على العلم والإقرار، وأن الوحدانية عندهم صفة سلبية، فهي تنفى عن الله ولكن لا تثبت شيئاً من الصفات، والمثبتة منهم يثبتون بعض الصفات لا كلها، ولا يذكرون التوحيد العملي وهو توحيد الألوهية، فهم وإن ذكروا الألوهية أو الإله في تعريفاتهم، فإنما يريدون به القادر على الاختراع ( )
التوحيد عند الصوفية( )
1. التوحيد عند الصوفية هو مشاهدة الوحدانية بطريق الكشف بواسطة نور الحق، وأعلى من ذلك أن لا يرى في الوجود إلا واحداً فلا يرى نفسه ( ).
2. وقيل هو " ظهور صفة الوحدانية للعبد حتى ينمحق كله فيها؛ ولا يبقى له أثر إلا مجرد التصديق القلبي بأن ذلك حق"( )
3. وقالوا أيضا في تعريف التوحيد أنه: "الفناء عن رسوم الصفات في الحضرة الواحدية، وشهود الحق بأسمائه وصفاته لا غير. وفي الحقائق: الفناء في الذات مع بقاء رسم الخفي المستور بنور الحق المشعر بالإثنينية المثبت للخلة( ).
ونخلص من هذا :أن غاية معنى التوحيد عند الصوفية هو شهود توحيد الربوبية والفناء فيه.
التوحيد عند الفلاسفة ( ):
تعريف ابن سينا للواحد يقول فيه:"فقد ظهر لنا أن للكل مبدأ واجب الوجود، غير داخل في جنس( )، أو واقع تحت حد ( )، أو برهان، بريئا عن الكم ( )
والكيف ( ),والماهية ( ), والأين( )والمتى( ), والحركة( ), لا ند له، ولا شريك، ولا ضد له، وأنه واحد من جميع الوجوه، لأنه غير منقسم، لا في الأجزاء بالفرض والوهم، كالمتصل، ولا في العقل بأن تكون ذاته مركبة من معان عقلية متغايرة يتحد بها جملته وأنه واحد من حيث هو غير مشارك ألبته في وجوده الذي له، فهو بهذه الوجوه فرد، وهو واحد لأنه تام الوجود، ما بقي له شيء ينتظر حتى يتم وقد كان هذا أحد وجوه الواحد، وليس الواحد فيه إلا على الوجه السلبي"( ).
يقول ابن رشد عن الواحد: "هو الذي لا يتجزأ إما في الكمية، وإما في الصورة( ) والكيفية".( )
وملخص فهمهم: هو إنكار ماهية الرب الزائدة على وجوده ، وإنكار صفات كماله ، وأنه لا سمع له ولا بصر ، ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة ولا كلام ولا وجه . ولا يدين ، وليس فيه معنيان يتميز أحدهما عن الآخر البتة.
التوحيد عند المعتزلة:
هذا هو الأصل الأول من أصول المعتزلة الخمسة, وهو عندهم يدور حول ما يثبت لله وما ينفي عنه من الصفات. ويدل على ذلك تعريفهم له.يقول القاضي عبد الجبار, وهو يعرف التوحيد لغة واصطلاحا: "والأصل فيه أن التوحيد في أصل اللغة عبارة عما يصير به الشيء واحدا, كما أن التحريك عبارة عما به يصير الشيء متحركا, والتسويد, عبارة عما به يصير الشيء أسودا, ثم يستعمل في الخير عن كون الشيء واحدا لما لم يكن الخبر صادقا إلا وهو واحدا, فصار ذلك كالإثبات فإنه في أصل اللغة عبارة عن الإيجاب)" )
التوحيد في اصطلاح المتكلمين:يقول القاضي: "فأما في اصطلاح المتكلمين, فهو العلم بأن الله تعالى واحد لا يشاركه غيره فيما يستحق من الصفات نفيا وإثباتا على الحد الذي يستحقه, والإقرار به. ولا بد من اعتبار هذين الشرطين: العلم والإقرار جميعا, لأنه لو علم ولم يقر أو أقر ولم يعلم لم يكن موحدا" ( )
وعلى ذلك فهذا الأصل يبحث في مذهب المعتزلة في صفات الباري تعالى وما يثبت له, وما ينفي عنه.
وملخص قولهم: أن التوحيد متعلق بالذات الإلهية وتنـزيهها عن شوائب الإمكان والتجسيم والتشبيه وإمكان الرؤية وطروء الحوادث عليه .
التوحيد عند الأشاعرة
هذا من أهم الأبواب التي غلط فيها أهل الكلام – وفيهم الأشاعرة – وصار كلامهم فيه مشتملا على قليل من الحق وكثير من الباطل، ولاشك أن أسس الإسلام وقاعدته توحيد الله وحده لاشريك له.
والتوحيد والواحد والأحد عند الأشاعرة يشمل ثلاثة أمور:
1 -أن الله واحد في ذاته لا قسيم له.
2- وأنه واحد في صفاته لا شبيه له.
3- وأنه واحد في أفعاله لا شريك له"( ).وأشهرها عندهم وأقواها دلالة على التوحد النوع الثالث، وبه يفسرون معنى "لا إله إلا الله". والألوهية – عندهم – هي القدرة على الاختراع والخلق، فمعنى لا إله إلا الله لا خالق إلا الله( )"... . أمثلة لأقوال المتكلمين في تقرير الوحدانية لله: قال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري:" إذا كان الخالق على الحقيقة هو الباري تعالى لا يشاركه في الخلق غيره فأخص وصفه تعالى هو: القدرة على الاختراع. قال: وهذا هو تفسير اسمه تعالى الله "( ). وقال الرازي في تعريف التوحيد: "هو عبارة عن الحكم بأن الشيء واحد، وعن العلم بأن الشيء واحد، يقال: وحدته إذا وصفته بالوحدانية"( )
فسر الأشاعرة معنى التوحيد والواحد بهذه الأصول الثلاثة،الرد على تعريفهم: وقد بين شيخ الإسلام ما في قولهم من الحق والباطل كما يلي
1. قولهم: إن الله واحد في ذاته لا قسيم له:ويفسرونه بأن معناه أنه لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتعدد ولا يتركب، وهذا الكلام مجمل، فإن قصد به أن الله تعالى أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد، وأنه يمتنع أن يتفرق أو يتجزأ أو يكون قد ركب من أجزاء فهذا حق، لكن إن قصد به نفي علوه ومباينته لخلقه، وأنه لا يشار إليه ولا ينزل كما يشاء فهذا باطل "( )، فأي الأمرين يقصد هؤلاء، يقول شيخ الإسلام عنهم: "ليس مرادهم بأنه لا ينقسم ولا يتبعض أنه لا ينفصل بعضه عن بعض، وأنه لا يكون إلهين اثنين، ونحو ذلك مما يقول نحوا منه النصارى والمشركون، فإن هذا مما لا ينازعهم فيه المسلمون، وهو حق لا ريب فيه، وكذلك كان علماء السلف ينفون التبعيض عن الله بهذا المعنى، وإنما مرادهم بذلك أنه لا يشهد ولا يرى منه شيء دون شيء، ولا يدرك منه شيء دون شيء، بحيث إنه ليس له في نفس حقيقة عندهم قائمة بنفسها يمكنه هو أن يشير منها إلى شيء دون شيء، أو يرى عباده منها شيئاً دون شيء، بحيث إذا تجلى لعباده يريهم من نفسه المقدسة ما شاء، فإن ذلك غير ممكن عندهم، ولا يتصور عندهم أن يكون العباد محجوبين عنه بحجاب منفصل عنهم يمنع أبصارهم عن رؤيته، فإن الحجاب لا يحجب إلا ما هو جسم منقسم، ولا يتصور عندهم أن الله يكشف عن وجهه الحجاب ليراه المؤمنون، ولا أن يكون على وجهه حجاب أصلاً، ولا أن يكون بحيث يلقاه العبد أو يصل إليه أو يدنو منه أو يقرب إليه في الحقيقة، فهذا ونحوه هو المراد عندهم بكونه لا ينقسم، ويسمون ذلك نفي التجسيم، إذ كل ما ثبت له ذلك كان مجسما منقسما مركبا، والبارئ منزه عندهم عن هذه المعاني" ( )، وجماع المعاني التي قصدوها بقولهم هذا أنه تعالى عن قولهم ليس قائماً بنفسه، ولا بائنا من خلقه ولا على العرش استوى، وأنه لا يشار إليه في جهة العلو. وهذا ما يعبرون عنه بنفي الجسمية، والتحيز، والجهة، والرازي صرح بأن كل متحيز فهو منقسم، وكل منقسم فهو ليس بأحد "( )، وهكذا صار حقيقة التوحيد والواحد والأحد عند هؤلاء نفي صفات الله الخبرية، ونفي علوه على عرشه.
2. أما قولهم في تفسير التوحيد بأن معناه – أيضاً – أنه واحد في صفاته لا شبيه له، فيرى شيخ الإسلام أن هذه الكلمة أقرب إلى الإسلام، لكنهم أجملوها، حيث جعلوا في مسمى التشبيه، وهذا من بدع أهل الكلام، إذ لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا أقوال السلف أن يجعل نفي الصفات أو بعضها من التوحيد "( )، مع أن أهل الكلام مضطربون في هذا، لأن كل طائفة تجعل ما تنفيه من الأسماء أو الصفات من التشبيه الذي يجب تنزيه الله عنه، فالأشاعرة أدخلوا في مسمى التوحيد هذا نفي كثير من الصفات – أي ما عدا فالأشاعرة أدخلوا في مسمى التوحيد هذا نفي كثير من الصفات – أي ما عدا الصفات السبع التي لم يثبت غيرها متأخروهم – والمعتزلة أدرجوا في ذلك نفي جميع الصفات، والجهمية نفوا الأسماء والصفات جميعا، وزاد الغلاة من القرامطة والباطنية فقالوا لا يوصف بالنفي والإثبات، لأن القول بأحدهما يقتضي تشبيها، وهكذا".3- ( )أما الثالث فقولهم: إن من معاني التوحيد أنه تعالى: واحد في أفعاله لا شريك له، وأن الله رب كل شيء وخالقه، ويقول شيخ الإسلام عن هذا المعنى: "وهذا معنى صحيح، وهو حق، وهو أجود ما اعتصموا به من الإسلام في أصولهم، حيث اعترفوا فيها بأن الله خالق كل شيء ومربيه ومدبره" ( )، والخطأ الذي وقع فيه الأشاعرة هنا هو أنهم فهموا أن هذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأنه المقصود بشهادة أن لا إله إلا الله، ومن المعلوم أن هذا التوحيد أقر به المشركون، ولم ينكره أحد من بني آدم "ولكن غاية ما يقال: إن المعتزلة وغيرهم جعلوا بعض الموجودات خلقاً لغير الله، كأفعال العباد، ولكنهم يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم وإن قالوا: إنهم خالقوا أفعالهم( )"
هذه معاني التوحيد عند الأشاعرة، ومما سبق يتبين ما في ظاهر العبارات من الحق، وما قصدوه من الباطل، مع ما وقعوا فيه من التقصير.
وملخص قولهم: :أن غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع فيقولون : هو واحد في ذاته لا قسم له وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له .
تعريف التوحيد اصطلاحا عند علماء أهل السنة والجماعة:
1-عرفه الإمام أبو حنيفة رحمه الله بقوله: "معنى أن الله واحد أنه لا شريك له"( )
2-وعرفه شيخ الإسلام رحمه الله بقوله: "هو عبادة الله وحده لا شريك له، مع ما يتضمنه من أنه لا رب لشيء من الممكنات سواه"( ).
3-عرفه الإمام الدارمي رحمه الله بقوله: "وتفسير التوحيد عند الأمة، وصوابه، قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له"( ).
4-وعرفه إمام الشافعية أبو العباس بن سريج رحمه الله بقوله: "توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"( ).
5-قال أبو جعفر الطحاوي إمام الحنفية في عصره مبينًا عقيدة الأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق: أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن الشيباني رحمهم الله ، معرفًا للتوحيد: نقول في توحيد الله - معتقدين بتوفيق الله: "إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره"( ).
6-عرفه الإمام الطبري في تفسير قول الله (إِلَهاً وَاحِداً) [البقرة - 133] بقولة: "أي نخلص له العبادة، ونوحد له الربوبية، فلا نشرك به شيئاً، ولا نتخذ دونه رباً"( )
7-عرفه محمد بن صالح بن محمد العثيمين رحمه الله بقوله: "التوحيد هو إفراد الله بالعبادة" أي أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً، لا تشرك به نبياً مرسلاً، ولا ملكاً مقرباً ولا رئيساً ولا ملكاً ولا أحداً من الخلق، بل تفرده وحده بالعبادة محبة وتعظيماً، ورغبة ورهبة، وهناك تعريف أعم للتوحيد وهو: "إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به"( ).
ونخلص من هذا: أن معنى التوحيد في حق الله يعني الإيمان بالله وحده لا شريك له وفيه إفراد الله بالعبادة وحده دون سواه وفيه تحقيق كلمة التوحيد(لا إله إلا الله).
فهرس المصادر
القرآن الكريم
كتب التوحيد
التدمرية تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ’الطبع الأولى 1421 ه النشر مكتبة العبيكان.
التسعينية لشخ الإسلام ابن تيمية الطبعة الأولى 1420ه ,الناشر مكتبة المعارف.
شرح أسماء الله الحسنى فخر الدين الرازي الطبعة, المكتبة الأزهرية للتراث الناشر المكتبة الأزهرية-1999بتحقيق طه عبد الرءوف سعد.
شرح ثلاثة الأصول , المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين , الناشر: دار الثريا للنشر الطبعة: الطبعة الرابعة 1424هـ - 2004م
الكتب العامة
إحياء علوم الدين لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي دار الكتب العلمية-بيروت لبنان الطبعة الأولى 1419ه.
أساس التقديس لفخر الدين الرازي الطبعة الحلبي.
أصول الدين لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي,الطبعة الأولى1423 ه دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الطبعة الثانية,دار الفكر ,بيروت1397ه.
جامع البيان في تأويل القرآن لأبي حعفر محمد بن جرير الطبري ,الطبعة الأولى دار الكتب العلمية بيروت 1412 ه.
الحجة في بيان المحجة لأبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني ,دار الراية للنشر..
رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي للإمام الدارمي الطبعة الأولى 1358 ه.دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار بن أحمد الطبعة الثالثة ,1996 م- الناشر مكتبة وهبه بالقاهرة.
شرح الفقه الأكبر لملا علي قاري طبعة هندية1300ه.
القاموس المحيط لمجد الدين الفيروز آبادي طبعة دار الحديث القاهرة ,1429ه. - جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية , المؤلف: أبو عبد الله شمس الدين بن محمد بن أشرف بن قيصر الأفغاني (المتوفى: 1420هـ) , الناشر: دار الصميعي , الطبعة: الأولى - 1416 هـ - 1996 م.
لسان العرب لابن منظور طبعة دار صادر-بيروت-الطبعة الثالثة 1414 ه.
مجموع الفتاوي لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية بن تيميةجمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد طبع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ,المدينة المنورة1416ه.
معجم كلمات الصوفية لأحمد الخالدي النقشبندي دار الإنتشار العربي لبنان الطبعة الأولى-1997.