هو عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي. يلتقي مع رسول اللّه في مرة بن كعب. أبو بكر الصديق بن أبي قحافة. واسم أبي قحافة عثمان. وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنة عم أبي قحافة.
أسلم أبو بكر ثم أسلمت أمه بعده، وصحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال العلماء: لا يعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول اللّه، إلا آل أبي بكر الصديق وهم: عبد اللّه بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة. فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون. وأيضا أبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة رضي اللّه عنهم.
ولقب عتيقاً لعتقه من النار وقيل لحسن وجهه. وعن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أبو بكر عتيق من النار) فمن يومئذ سمي (عتيقا). وقيل سمي عتيقا لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وأجمعت الأمة على تسميته صديقاً. قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: (إن اللّه تعالى هو الذي سمى أبا بكر على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صديقا) وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولازم الصدق فلم تقع منه هنات ولا كذبة في حال من الأحوال. وعن عائشة أنها قالت:
(لما أسري بالنبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان آمن وصدق به وفتنوا به. فقال أبو بكر: إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء غدوة وروحة، فلذلك سمي أبا بكر الصديق).
وقال أبو محجن الثقفي:
وسميت صديقا وكل مهاجر * سواك يسمى باسمه غير منكر
سبقت إلى الإسلام واللّه شاهد * وكنت جليسا في العريش المشهر
ولد أبو بكر سنة 573 م بعد الفيل بثلاث سنين تقريبا، وكان رضي اللّه عنه صديقا لرسول اللّه قبل البعث وهو أصغر منه سنا بثلاث سنوات وكان يكثر غشيانه في منزله ومحادثته. وقيل كنى بأبي بكر لابتكاره الخصال الحميدة. فلما أسلم آزر النبي صلى اللّه عليه وسلم في نصر دين اللّه تعالى بنفسه وماله. وكان له لما أسلم 40.000 درهم أنفقها في سبيل اللّه مع ما كسب من التجارة.
قال تعالى {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى}. الليل 17-19
وقد أجمع المفسرون على أن المراد به أبو بكر. وقد رد الفخر الرازي على من قال إنها نزلت في حق علي رضي اللّه عنه.
كان أبو بكر رضي اللّه عنه من رؤساء قريش في الجاهلية محببا فيهم مؤلفا لهم، وكان إليه الأشناق(1) في الجاهلية. كان إذا عمل شيئاً صدقته قريش، وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملتها غيره خذلوه ولم يصدقوه. فلما جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم من الصحابة بدعائه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد اللّه، وأسلم أبواه وولداه وولد ولده من الصحابة فجاء بالخمسة الذين أسلموا بدعائه إلى رسول اللّه فأسلموا وصلوا.
وقد ذهب جماعة إلى أنه أول من أسلم؛ قال الشعبي: سألت ابن عباس من أول من أسلم؟ قال: أبو بكر،أما سمعت حسان يقول:
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها * بعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده * وأول الناس قدما صدَّق الرسلا
وكان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر. وكان تاجرا ذو ثروة طائلة، حسن المجالسة، عالما بتعبير الرؤيا، وقد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية هو وعثمان بن عفان. ولما أسلم جعل يدعو الناس إلى الإسلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر رضي اللّه عنه ما علم عنه حين ذكرته له) أي أنه بادر إليه. ونزل فيه وفي عمر {وشاوِرْهم في الأمر} آل عمران 159 فكان أبو بكر بمنزلة الوزير من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكان يشاوره في أموره كلها.
وقد أصاب أبا بكر من إيذاء قريش شئ كثير. فمن ذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دخل دار الأرقم ليعبد اللّه ومن معه من أصحابه سرا ألح أبو بكر رضي اللّه عنه في الظهور، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم يا أبا بكر إنا قليل. فلم يزل به حتى خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من الصحابة رضي اللّه عنهم وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس ودعا إلى رسول اللّه، فهو أول خطيب دعا إلى اللّه تعالى فثار المشركون على أبي بكر رضي اللّه عنه وعلى المسلمين يضربونهم فضربوهم ضرباً شديداً. ووطئ أبو بكر بالأرجل وضرب ضربا شديدا. وصار عتبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه، فجاءت بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر إلى أن أدخلوه منزله ولا يشكون في موته، ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا: واللّه لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب حتى آخر النهار، ثم تكلم وقال: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فعذلوه فصار يكرر ذلك فقالت أمه: واللّه ما لي علم بصاحبك. فقال اذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه وخرجت إليها وسألتها عن محمد بن عبد اللّه، فقالت: لا أعرف محمداً ولا أبا بكر ثم قالت: تريدين أن أخرج معك؟ قالت: نعم. فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر فوجدته صريعا فصاحت وقالت: إن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم اللّه منهم، فقال لها أبو بكر رضي اللّه عنه: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقالت: هذه أمك، قال فلا عين عليك منها أي أنها لا تفشي سرك. قالت: سالم هو في دار الأرقم. فقال: واللّه لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قالت أمه فأمهلناه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ علي حتى دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرق له رقة شديدة وأكب عليه يقبله وأكب عليه المسلمون كذلك فقال بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي برة بولدها فعسى اللّه أن يستنقذها من النار، فدعا لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت(2).
ولما اشتد أذى كفار قريش لم يهاجر أبو بكر إلى الحبشة مع المسلمين بل بقي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تاركا عياله وأولاده وأقام معه في الغار ثلاثة أيام؛ قال اللّه تعالى {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن اللّه معنا}. التوبة 41
ولما كانت الهجرة جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: قد أذن لي في الخروج قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح، ثم خرجا حتى دخلا الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام(3). وأن رسول اللّه لولا ثقته التامة بأبي بكر لما صاحبه في هجرته فاستخلصه لنفسه. وكل من سوى أبي بكر فارق رسول اللّه، وإن اللّه تعالى سماه (ثاني اثنين).
قال رسول صلى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت: هل قلت في أبي بكر شيئا؟ فقال: نعم. فقال: قل وأنا أسمع. فقال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العدوّ به إذ صعد الجبلا
وكان حِبّ رسول اللّه قد علموا * من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول اللّه حتى بدت نواجذه، ثم قال: صدقت يا حسان هو كما قلت.
وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يكرمه ويجله ويثني عليه في وجهه واستخلفه في الصلاة، وشهد مع رسول اللّه بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان بالحديبية وخيبر وفتح مكة وحنينا والطائف وتبوك وحجة الوداع. ودفع رسول اللّه رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر وكانت سوداء، وكان فيمن ثبت معه يوم أحدا وحين ولى الناس يوم حنين. وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن كله. ودفع أبو بكر عقبة بن معيط عن رسول اللّه لما خنق رسول اللّه وهو يصلي عند الكعبة خنقا شديدا. وقال {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّه وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}. المؤمن 28
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً). رواه البخاري ومسلم
وأعتق أبو بكر سبعة ممن كانوا يعذبون في اللّه وهم: بلال وعامر بن فهيرة، وزنيرة، والنهدية، وابنتها، وجارية بني مؤمل، وأم عبيس. وكان أبو بكر إذا مدح قال: (اللّهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم. اللّهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون).
قال عمر رضي اللّه عنه: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي. فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالي. فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قلت مثله. وجاء أبو بكر بكل ما عنده. فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شئ أبدا.
روي لأبي بكر رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم 142 حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على ستة، وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بحديث واحد. وسبب قلة رواياته مع تقدم صحبته وملازمته النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث واعتناء التابعين بسماعها، وتحصيلها، وحفظها.
------------------------
(1) الأشناق: الديات، ج شَنَق.
(2) راجع السيرة الحلبية.
(3) راجع "الهجرة إلى المدينة" في كتاب محمد رسول اللّه للمؤلف صفحة 154.