خلال هذا الأسبوع لاحظت أن بعض اللوحات الإشهارية كتب عليها عبارة " آش تغير فحياتنا " ؟ هكذا ، فذكرتني هذه الجملة بالموضوع الذي يعتبر خلال هذه الأيام الشغل الشاغل للناس في عالمنا العربي والإسلامي عامة ، إنه موضوع "التغيير" أجل ، فلم يعد هذا الحدث خاصا بطبقة المثقفين وذوي الرأي يتداول فيما بينهم عبر الكتب أوفي صفحات المجلات ، بل تجاوزهم ليصل إلى مجالس العامة أيضا، نظرا لتأثرهم بالحديث العام الذي يتناول هذه القضية ، فأحببت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع كسائر الناس ، ولا أعتبر ما أقوله قولا ملزما وإنما هو "رأي" ، فمن قبله فله ذلك ، ومن لم يقبله فله ذلك أيضا.
وعليه، فإني أقول : إن الحديث عن الحاجة إلى التغيير من قبل كافة الشرائح والجهات إنما هو الخطوة الأولى في التغيير ، فأن يعترف الناس في داخل أنفسهم بأنهم فعلا محتاجون إلى التغيير هذا يعني لزاما إيمانهم بأن هنالك خصالا وأمورا سلبية يجب تغييرها ، وهذا ما أسميه بمنطق " الإقرار " وهو منهج نبوي كان أول من سنه سيدنا آدم عليه السلام ، بينما منطق "الإنكار" هو منطق إبليسي الذي يعتبر أول من سن منطق الإنكار بناء على نفسية مريضة بالكبر والعجب والافتخار ، ذلك أن هذه الأمراض الباطنية تجعل صاحبها يعتقد العصمة في نفسه ، ويتخيل أن ما هو عليه، هو المنهج الأسلم ، والرأي الأصوب ، فمن طالبه بالتغيير، فكأنه يطالبه بتحويل الحق إلى باطل ، وهذا ما لا يمكن أن يكون ، وأعتقد أن الشعوب العربية اليوم وصلت حقا إلى مسلمة لا مراء فيها، ألا وهي حاجتها إلى التغيير، ومن ثم فقد تعالت الأصوات من هنا وهنالك تطالب بالتغيير ، وهو مطلب منطقي لأنه يتماشى مع السنن الكونية والاجتماعية التي لا تحكم بالثبات إلا لله سبحانه وتعالى ، فهو الوحيد الذي لا يعتريه تغيير، فهو على ما كان قبل خلق المكان ، أما ما عداه فلا بد أن تناله هذه السنة حتما ، فمن غير نفسه فقد نجا ، ومن لم يغير نفسه غيرته السنن ، ولكن السؤال المطروح هو ، ماذا نغير ؟ وكيف نغير ؟
وهذه أسئلة في الواقع في غاية الصعوبة ، وتختلف إجابة الناس عن هذه الأسئلة اختلافا كبيرا ، ويذهبون في الإجابة عليها طرائق قددا ، فمنهم من ينادي بتغيير الأنظمة كما هو الحال في مصر وتونس وسوريا واليمن ، ومنهم من ينادي بتغيير الفساد فقط كما هو الحال في بلدنا ، الخ ، ولكني أرى أن الذي يجب تغييره هو "ما بالأنفس " كما هو تعبير القرآن الكريم يقول الله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ومعنى هذا أن نفوسنا قد سكنت بداخلها رؤى وتصورات ومعتقدات وأفكار فاسدة ، نتج عنها بالضرورة أخلاق ومعاملات فاسدة ، لأن الأفعال والتصرفات الخارجية إنما هي تعبير عما بداخل الإنسان من معتقدات وتصورات تلقاها عن طريق القراءة ، أو عن طريق العادة ، وكما يقول علماء الاجتماع : إن المجتمع إنما هو أشخاص وأشياء وأفكار ، فما الذي يجب تغييره إذا ؟ حتما إن الذي يجب تغييره هو "الأفكار والمعتقدات" ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبد قريشا، ويأتي بدلهم بقوم آخرين ليقودوا الأمة ، بل صنع من قريش أنفسهم قادة الأمة ،فكل ما هنالك أنه أجرى عليهم عملية التغيير من الداخل .
إن بعض الشعوب تطالب بتغيير الأنظمة ، لكن يا ترى من الذي يغير الشعوب ؟ وهل نستطيع أن نقول بصدق : إن الأنظمة وحدها هي التي فسدت أم أن الفساد أصبح سمة عامة ؟ إنني أعتقد جزما أن الثورة الحقيقية يجب أن تكون ضد الجهل ، والتخلف والأمية ، والأخلاق الفاسدة ، والقيم الهابطة ، والأفكار البائدة ، الساكنة في مكنون أنفسنا ، فهي التي تحتاج إلى تغيير حقيقي ، لتتبدل أنفسنا، فحينئذ سيبدل الله تعالى واقعنا حتما ، وإن بقيت فئة قلية لم يطلها التغيير فلا غرو أن حركة الأمة العارمة ستأخذها في طريقها إما بأن تدمجها دمجا إجباريا في بوتقة الأمة ، وإما أن تلفظها خارجا كما تلفظ الخلايا الحية تلك الخلايا الفاسدة، وهنا يأتي السؤال الثاني ألا وهو ، كيف نغير؟
والجواب عن هذا السؤال أصعب من سابقه ، فمن ظن أن التغيير يحصل بمجرد إزاحة حاكم أو تغيير مسؤول فهو غارق في الوهم حتى النخاع ، فإن مسألة التغيير لا تحصل بين عشية وضحاها ، ولا بين ليلة وأخرى ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المسدد بالوحي لبث في الجزيرة العربية بعد النبوة ثلاثة وعشرين عاما ، فغير الله به تلك الأرض لتنطلق هي الأخرى حاملة لواء التغيير ، وهذا هو المنهج الذي سلكته بعض الدول المسلمة من مثل " ماليزيا " وتوركيا" ، فمن كان بحق آملا في التغيير فليبدأ من ذات نفسه ، وليقبل أولا وقبل كل شيء على تلقي العلم والمعرفة ، ثم ليوسع هذه الدائرة قدر المستطاع ،وليكن ذلك تحت إشراف النخب المتعلمة ، والمثقفة ، والواعية التي تحمل هم الأمة ، إنني أغتاظ عندما أرى أستاذا في التعليم، أو موظفا في الإدارة ، أو عاملا في مصنع، يلوك بملء فيه كلمة التغيير ، وهو في قراراة نفسه لا يقوم بواجبه كما هو مسطر في القانون، بينما تراه يكيل التهم ويلصقها بغيره ، إن الذي يطالب بالتغيير لا بد أن يكون قدوة وأسوة في نفسه ، وحينئذ سنبصر نتائج التغيير الفعلي ، إنني أعلم أن هذا الكلام قد لا يعجب الكثيرين، لكن ألم أقل منذ البداية إنما هو " رأي" فلا تضق ذرعا أيها القارئ الكريم برأي الآخر .